سورة الحج - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


قوله تعالى: {اتقوا ربكم} أي: احذروا عقابه {إِنَّ زلزلة الساعة} الزلزلة: الحركة على الحالة الهائلة.
وفي وقت هذه الزلزلة قولان:
أحدهما: أنها يوم القيامة بعد النشور. روى عمران بن حصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: «{إِن زلزلة الساعة شيء عظيم} وقال: تدرون أي يوم ذلك؟ فإنه يوم ينادي الرَّبُّ عز وجل آدم عليه السلام: ابعث بعثاً إِلى النار..» فذكر الحديث. وروى أبو سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى يوم القيامة لآدم: قم، فابعث بعث النار، فيقول: يا رب، وما بعث النار؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إِلى النار، فحينئذ يشيب المولود، وتضع كل ذات حمل حملها»، وقرأ الآية. وقال ابن عباس: زَلْزَلَةُ الساعة: قِيَامُها، يعني أنها تُقارِب قيام الساعة، وتكون معها. وقال الحسن، والسدي: هذه الزلزلة تكون يوم القيامة.
والثاني: أنها تكون في الدنيا قبل القيامة، وهي من أشراط الساعة، قاله علقمة، والشعبي، وابن جريج. وروى أبو العالية عن أُبَيِّ بن كعب، قال ست آيات قبل القيامة، بينما الناس في أسواقهم إِذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك إِذ تناثرت النجوم، فبينما هم كذلك إِذ وقعت الجبال على وجه الأرض، فتحركت، واضطربت، ففزع الجن إِلى الإِنس، والإِنس إِلى الجن، واختلطت الدواب، والطير، والوحش، فماج بعضهم في بعض، فقالت الجن للإنس: نحن نأتيكم بالخبر، فانطلقوا إِلى البحور، فإذا هي نار تَأجَّج، فبينما هم كذلك إِذ تصدَّعت الأرض إِلى الأرض السابعة، والسماء إِلى السماء السابعة، فينما هم كذلك إِذ جاءتهم الريح فماتوا.
وقال مقاتل: هذه الزلزلة قبل النفخة الأولى، وذلك أن منادياً ينادي من السماء: يا أيها الناس أتى أمر الله، فيفزعون فزعاً شديداً فيشيب الصغير، وتضع الحوامل.
قوله تعالى: {شيء عظيم} أي: لا يوصف لعِظَمه.
قوله تعالى: {يوم ترونها} يعني: الزلزلة {تذهل كل مرضعة عما أرضعت} فيه قولان:
أحدهما: تسلو عن ولدها، وتتركه، قاله ابن قتيبة.
والثاني: تُشْغَل عنه، قاله قطرب، ومنه قول ابن رواحة:
ويذهل الخليل عن خليله ***
وقرأ أبو عمران الجوني، وابن أبي عبلة: {تُذهِل} برفع التاء وكسر الهاء {كلَّ} بنصب اللام. قال الأخفش: وإِنما قال: {مرضعة}، لأنه أراد والله أعلم الفعل، ولو أراد الصفة فيما نرى، لقال: مرضع. قال الحسن: تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام، وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام، وهذا يدل على أن الزلزلة تكون في الدنيا، لأن بعد البعث لا تكون حبلى.
قوله تعالى: {وتَرى الناس سُكارى} وقرأ عكرمة، والضحاك، وابن يعمر، {وتُرى} بضم التاء. ومعنى {سكارى}: من شدة الخوف {وما هم بسُكارى} من الشراب، والمعنى: ترى الناس كأنهم سكارى من ذهول عقولهم، لشدة ما يمرُّ بهم، يضطربون اضطراب السكران من الشراب. وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: {سَكْرى وما هم بسَكْرى} وهي قراءة ابن مسعود. قال الفراء: وهو وجه جيد، لأنه بمنزلة الهَلْكى والجَرْحى. وقرأ عكرمة، والضحاك، وابن السميفع: {سَكارى وما هم بسَكارى} بفتح السين والراء وإِثبات الألف، {ولكن عذاب الله شديد} فيه دليل على أن سكرهم من خوف عذابه.
قوله تعالى: {ومن الناس من يجادل في الله} قال المفسرون: نزلت في النضر بن الحارث. وفيما جادل فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه كان كلَّما نزل شيء من القرآن كذَّب به، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه زعم أن الملائكة بنات الله، قاله مقاتل.
والثالث: أنه قال: لا يقدر الله على إِحياء الموتى، ذكره أبو سليمان الدمشقي.
قوله تعالى: {بغير علم} أي: إِنما يقوله بإغواءِ الشيطان، لا بعلم {ويتَّبع} ما يسوِّل له {كلَّ شيطانٍ مَريدٍ} وقد ذكرنا معنى المريد في سورة [النساء: 117].
قوله تعالى: {كُتب عليه أَنَّه من تولاه} {كُتب} بمعنى: قُضي والهاء في {عليه} وفي {تولاه} كناية عن الشيطان. ومعنى الآية: قضي على الشيطان أَنَّه يُضِلُّ مَن اتَّبعه. وقرأ أبو عمران الجوني: {كَتب} بفتح الكاف {أنه} بفتح الهمزة {فإنه} بكسر الهمزة. وقرأ أبو مجلز، وأبو العالية، وابن أبي ليلى، والضحاك، وابن يعمر: {إِنه} {فإِنه} بكسر الهمزة فيهما. وقد بيَّنَّا معنى {السعير} في سورة [النساء: 10].


قوله تعالى: {يا أيها الناس} يعني: أهل مكة {إِن كنتم في ريب من البعث} أي: في شك من القيامة {فإنا خلقناكم من تراب} يعني: خَلْقَ آدم {ثم من نطفة} يعني: خَلْقَ ولده، والمعنى: إِن شككتم في بعثكم فتدبَّروا أمر خلقكم وابتدائكم، فإنكم لا تجدون في القدرة فرقاً بين الابتداء والاعادة. فأما النطفة، فهي المني. والعلقة: دم عبيط جامد. وقيل سميت علقة لرطوبتها وتعلُّقها بما تمرُّ به، فإذا جفَّت فليست علقةً. والمضغة: لحمة صغيرة. قال ابن قتيبة: وسميت بذلك، لأنه بقدر ما يُمضغ، كما قيل: غرفة لقدر ما يُغرَف.
قوله تعالى: {مخلَّقةٍ وغيرِ مخلَّقةٍ} فيه خمسة أقوال.
أحدها: أن المخلَّقة: ما خُلق سويّاً، وغير المخلَّقة: ما ألقته الأرحام من النطف، وهو دم قبل أن يكون خَلْقاً، قاله ابن مسعود.
والثاني: أن المخلَّقة: ما أُكمل خَلْقه بنفخ الروح فيه، وهو الذي يولَد حيّاً لتمامٍ، وغير المخلَّقة: ما سقط غير حيٍّ لم يكمل خَلْقُه بنفح الروح فيه، هذا معنى قول ابن عباس.
والثالث: أن المخلَّقة: المصوَّرة، وغير المخلَّقة: غير مصوَّرة، قاله الحسن.
والرابع: أن المخلَّقة وغير المخلَّقة: السقط، تارة يسقط نطفة وعلقة، وتارة قد صُوِّر بعضه، وتارة قد صُوِّر كلُّه، قاله السدي.
والخامس: أن المخلَّقة: التامة، وغير المخلَّقة: السقط، قاله الفراء، وابن قتيبة.
قوله تعالى: {لنبيِّنَ لكم} فيه أربعة أقوال.
أحدها: خلقناكم لنبيِّن لكم ما تأتون وما تذَرون.
والثاني: لنبيِّن لكم في القرآن بُدُوَّ خَلْقِكم، وتنقُّلَ أحوالكم.
والثالث: لنبيِّن لكم كمال حكمتنا وقدرتنا في تقليب أحوال خلقكم.
والرابع: لنبيِّن لكم أن البعث حق.
وقرأ أبو عمران الجوني، وابن أبي عبلة: {ليبيِّن لكم} لكم بالياء.
قوله تعالى: {ونقرُّ في الأرحام} وقرأ ابن مسعود، وأبو رجاء: {ويُقَرُّ} بباء مرفوعة وفتح القاف ورفع الراء. وقرأ أبو الجوزاء، وأبو إِسحاق السَّبيعي: {ويُقِرَّ} بياء مرفوعة وبكسر القاف ونصب الراء. والذي يُقَرُّ في الأرحام، هو الذي لا يكون سقطاً، {إِلى أجلٍ مسمى} وهو أجل الولادة {ثم نخرجكم طفلاً} قال أبو عبيدة: هو في موضع أطفال، والعرب قد تضع لفظ الواحد في معنى الجميع، قال الله تعالى: {والملائكةُ بعد ذلك ظهير} [التحريم: 4] أي: ظهراء، وأنشد:
فَقُلْنا أسلِموا إِنَّا أَخوكم *** فقد بَرِئتْ من الإِحَنِ الصدورُ
وأنشد أيضاً:
في حَلْقكم عظمٌ وقد شَجينا ***
وقال غيره: إِنما قال: {طفلاً} فوحَّد، لأن الميم في قوله تعالى: {نخرجكم} قد دلَّت على الجميع، فلم يحتج إِلى أن يقول: أطفالاً.
قوله تعالى: {ثم لتبلغوا} فيه إِضمار، تقديره: ثم نعمِّركم لتبلغوا أشدكم، وقد سبق معنى الأشُد [الأنعام: 153]، {ومنكم من يُتَوفَّى} من قبل بلوغ الأشُدِّ {ومنكم من يُردُّ إِلى أرذل العُمُر} وقد شرحناه في [النحل: 70].
ثم إِن الله تعالى دلَّهم على إِحيائه الموتى باحيائه الأرض، فقال تعالى: {وترى الأرض هامدة} قال ابن قتيبة: أي: ميتة يابسة، ومثله: همدت النار: إِذا طفئت فذهبت.
قوله تعالى: {فإذا أنزلنا عليها الماء} يعني: المطر {اهتزَّت} أي: تحرَّكت للنبات، وذلك أنها ترتفع عن النبات إِذا ظهر، فهو معنى قوله تعالى: {وربت} أي: ارتفعت وزادت. وقال المبرِّد: أراد: اهتزَّ نباتها وربا، فحذف المضاف. قال الفراء: وقرأ أبو جعفر المدني: {وربأَت} بهمزة مفتوحة بعد الباء. فإن كان ذهب إِلى الرَّبيئة الذي يحرس القوم، أي: أنه يرتفع، وإِلا، فهو غلط.
قوله تعالى: {وأنبتت من كل زوج بهيج} قال ابن قتيبة: من كل جنس حَسَنٍ يبهج، أي: يسرُّ، وهو فعيل في معنى فاعل.
قوله تعالى: {ذلك} قال الزجاج: المعنى: الأمر ذلك كما وصف لكم، والأجود أن يكون موضع {ذلك} رفعاً، ويجوز أن يكون نصباً على معنى: فعل الله ذلك بأنه هو الحق.
قوله تعالى: {وأن الساعة} أي: ولتعلموا أن الساعة {آتية}.


قوله تعالى: {ومن الناس من يجادل} قد سبق بيانه. وهذا مما نزل في النضر أيضاً. والهدى: البيان والبرهان.
قوله تعالى: {ثانيَ عِطفه} العِطف: الجانب. وعِطفا الرجل: جانباه عن يمين وشمال، وهو الموضع الذي يعطفه الإِنسان ويلويه عند إِعراضه عن المشي. قال الزجاج: {ثانيَ} منصوب على الحال، ومعناه: التنوين، معناه: ثانياً عِطفه. وجاء في التفسير: أن معناه: لاوياً عنقه، وهذا يوصف به المتكبِّر، والمعنى: ومن الناس من يجادل بغير علم متكبِّراً.
قوله تعالى: {ليُضلَّ} أي: ليصير أمره إِلى الضلال، فكأنَّه وإِن لم يقدَّر أنه يضل، فإن أمره يصير إِلى ذلك، {له في الدنيا خزي} وهو ما أصابه يوم بدر، وذلك أنه قُتل. وما بعد هذا قد سبق تفسيره [يونس: 70] إِلى قوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} وفي سبب نزول هذه الآية قولان:
أحدهما: أن ناساً من العرب كان يأتون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون: نحن على دينك، فإن أصابوا معيشةً، ونُتِجَتْ خَيْلُهم، وَوَلَدَتْ نساؤُهم الغلمانَ اطمأنُّوا وقالوا: هذا دينُ حقٍّ، وإِنْ لم يَجْرِ الأمر على ذلك قالوا: هذا دين سوءٍ، فينقلبون عن دينهم، فنزلت هذه الآية، هذا معنى قول ابن عباس، وبه قال الأكثرون.
والثاني: أن رجلاً من اليهود أسلم فذهب بصره وماله وولده، فتشاءم بالإِسلام، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقلني، فقال: «إِن الإِسلام لا يقال». فقال: إِني لم أُصِب في ديني هذا خيراً، أذهب بصري ومالي وولدي، فقال: «يا يهودي: إِن الإِسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والفضة والذهب»، فنزلت هذه الآية، رواه عطية عن أبي سعيد الخدري.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8